حقوقٌ بشرية في التعثّر

إن أصعب ما واجهني يوماً هو الغفران ..

و كلما تذكّرتُ الخيبات ، الغيمات ، السقطات و الاندفاعات .. زادني ذلكَ ضعفاً أمامَ الصفح .

” أن تغفر يعني أن تمضي إلى الأمام ، ربما دونَ النظر إلى الخلف “ .. هكذا سمعتُ من بعضِ الأفواهِ قبلاً ، و أظنه تعريفاً خاطئاً بعضَ الشيء ، فأنا لم يسبق لي أن غفرت و إنما تناسيت .. فمضيتُ قدماً . يبدوُ لي الغفرانُ كرماً لا يستحقه شخصٌ سئ ، و لكن مع الإساءة إلينا نصبحُ نحنُ من يستحق أن نغفر ؛ لأننا لا نستحقُ الألم .. و يتحولُ الغفرانُ حينئذٍ إلى قاعدة هي في أساسها سُباتٌ مع عقد النية على عدم الاستيقاظ ، تماماً مثل الغفلة .

لم يسبق لي أن رأيت قلباً في حجمٍ يكفي لمسامحةِ شخصٍ لمجرد مسامحته .

أما الغفلة ، فتجعلنا داخلَ دائرة مُسيّجة من عدم المعرفة أو التجاهُل ، تصور ماذا يحدثُ لو علمتَ أنه في هذه اللحظة شخصٌ ما يُقتل بعنف ؟ . كَم يا ترى نسبة صحة قابلية كونه يُقتل فعلاً و أنا مسترخية هكذا أكتب ؟

الغفلةُ شيءٌ محيرٌ جداً ، لا أعلمُ حقاً أهذه السياجُ التي تضعها فيما بيننا لصالحنا أم العكس ، و هل يُرحبُ شخصٌ ما في هذا الكون على إرفاقه بكلِ علمٍ لكلِ ما يجري لكلِ الأشخاصِ في الدنيا ؟ هل يحتمل أم هل يفضّل أن يُسيَّج و حياته بعيداً عن الضجّة ؟

و هل يُصيبهُ ندمٌ عندما يُسيَجُ عنه آخرون و يجدُ نفسه يُقتَل دون درايةٍ من أحد ؟

أيوجدُ في مسارِ و بيِّن البشر انسانٌ له قلب بهذا الحجم ليحتمل العبء ، مُرحباً بإزالة غشاء الغفلة الذي مُنحَ كحقٍ منذُ الولادة ؟

لا أدري إن كانَ في الكونِ أحدٌ لا يحملُ في ذاتهِ مقداراً قليلاً من البشريّة يمنعهُ من الموافقة ..

كما لا أتخيلُ شخصاً لا يحملُ في ذاته نفسَ المقدار من أيِّ شيءٍ غير قابلٍ للهضم . فليسَ هناك من لا يشعرُ شعوراً مُخزياً !

تخيلتُ الحياة ، كيفَ كانت لتكون لو خلَت منّا ، و استُبدِلنا بالبشرِ في حلم الرجل المُضحك لديستوفيسكي ، لا يغضبون ، لا يعرفونَ ما الكره ، لا يعلمون ما الغيرة ، و لا يعرفون ما قد تكون الغضاضة ، لا يتصورون مجرد التصور .. أيَ شيءٍ عدا السعادة و الجودة و الإقناع و التلقائية و البراءة و اللذة و العفوية .. و لا يحزنون على موتاهم ، لا يحزنون حتى عند الموت ، لا تُصيبهم الأمراضُ عند الشيخوخة ، لديهم طرقهم الخاصة في فعلِ الأشياء ، يحبون العصافير و الفراشات و قوسَ قـُزح ، الصغارُ هم الكبارُ هم البشرُ هم الحيوانات .. و كلُ شيءٍ مخمليّ و رائع و في منتهى اللُطف ..

هل هناكَ قلبٌ ما لا يملُّ هذه الحياة ؟

أهناكَ أحدٌ يمكنه فعلَ كل شيءٍ بصواب ؟ لا تتملّكه الشهوات و لا تُميله الأهواء ، و لا يجدُ الكرهَ في أحدٍ و لا في شيء ؟

أيمكنه التخلي عن حقه في الغضب أو حقه في الثورة أو في الامتعاضِ أو في الكرهِ القوي أو في الأنانية و ازدحام حبِّ النفس بالكبرياءِ و الترفع و تقدير الذات ؟

أيكونُ بقلبه الوزنُ المعتدل من الثقة و الحب و الإرهاف و الرغبة ، يرفضُ التباهي و لا ينتفخُ بالثناءِ و لا يطلبه و يعرفُ قدرَ نفسه و قدرَ اللحظة و قدرَ الغير ؟

– أنا لا أسأل – .

2 تعليقان to “حقوقٌ بشرية في التعثّر”

  1. Aya Wali Says:

    تسبب حديثك في قرع أجراس كثيرة بداخلي !
    إلا أن الصوت الأعلى كان لجرس التسييج !
    أن أفصل نفسي بغلاف بادر متعمد عمّا حولي ..
    خيار مطروح هو ، بل و ميكانزم دفاعي رُبما ،
    رغم شعوري بالألم و الاختناق لوجوده الآن ،
    إلا أني في أحد المرات تهورت و أزلته !
    و كانت تجربه أقرب للانتحار ،
    رُبما كان السياج العازل خيرًا لنا !
    أو هو مجرد غطاء للضعف لدواخلنا الهشة ،
    إلا أني – و للأسف – لا أستطيع العيش بدونه !

  2. شجرَة Says:

    السِياج محيّر جدًّا جدًّا :/!!
    أختار مع ذلك إن فترة التجربة كلّ مرة تختار عنّي إسداله أو عدمه لإنه إحساسي بكون هو ده الحلّ الوحيد > يعني قياسًا على كلام قريته لك قبل كدة، انتِ بتقولي إن الحاجة اللي تستاهل نخاطر لها المفروض نخاطر لها : )..

    ماندُو بحبّك 3>!

Have a say :